أوراق نبات الرجلة أو البقلة .. غني بدهون «أوميجاـ 3
أوراق نبات «الرجلة أو البقلة» .. فوائد صحية لا تحصىمن لم يدركوا تلك العلاقة
الوثيقة بين الأسماك ونبات «الرِّجْلَة»، أو «البقلة» (purslane)، تسرعوا في حكمهم
بالحماقة على سلوك نمو هذا النبات على ضفاف الجداول ومجاري المياه، وبزعمهم
فالرجلة تستحق تسميتها بـ«البقلة الحمقاء» لأنها تنبت في مسيل المياه، مما يعرضها في
أي وقت للاقتلاع والانجراف بفعل تدفق المياه، ولكن نتائج الدراسات التي فحصت
المكونات الغذائية لأوراق وسيقان نبات «الرجلة» تشير إلى خلاف هذا تماما، مما يبرر
تسمية البعض لها بـ«البقلة المباركة».
ومفاد تلك التحاليل أن «الرجلة» هي أحد أعلى النباتات الورقية احتواء على دهون
«أوميغاـ3»، ومعلوم أن أغنى المصادر الغذائية بدهون «أوميغا ـ3» هي الأسماك
والحيوانات البحرية، وكأن «الرجلة» بنموها على ضفاف مجرى المياه تحاول أن تهيئ
لنفسها ظروفا تتشابه بها مع الأسماك، كي تكون مثلها غنية بزيوت «أوميغاـ3».
ومن حسن الحظ الصحي أن أوراق «الرجلة» لا تزال أحد المكونات الرئيسية في
أطباق السلطات الطازجة في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، فهي في «الفتّوش»
و«سلطة البقلة» وغيرهما، كما أنها إحدى الخضراوات الورقية التي يطيب للكثيرين
تناولها مطبوخة، أسوة بأوراق السبانخ والملوخية.
وما قد لا يعلمه البعض أن هذه الأوراق النباتية غنية بالعناصر الغذائية الصحية، التي
تستدعي الاهتمام بتناولها وحضورها ضمن تشكيلات أطباق الموائد، كما أن مدارس
شتى للطب القديم، في الصين والهند والشرق الأوسط، أدركت منذ زمن قديم كلا من
القيمة الغذائية لها وجدوى استخدامها كعلاج للكثير من الأمراض، إضافة إلى أن ثمة
الكثير من الدراسات الطبية العلمية حول الجدوى المحتملة لأوراق «الرجلة» في عدد
من الحالات المرضية.
ولذا يهدف العرض الطبي لأوراق «الرجلة» إلى توضيح الأهمية الصحية لتلك
المكونات والجهود العلمية الجارية حولها.
أوراق «الرجلة» الصحية
في المجتمعات التي لا تعرف «الرجلة» أو لا يتناولها الناس فيها عادة، هناك جهود
للتعريف بها وتوضيح أهمية تناولها وتقديم اقتراحات لكيفية ذلك ضمن أطباق الطعام
اليومي، وتحظى نبتة «الرجلة» باهتمام متزايد من قبل وزارة الزراعة الأميركية
بالعمل على زراعتها، كجزء من المحاولات الهادفة إلى تصحيح محتوى وجبات الطعام
الغربية عبر إدخال الأنواع المفيدة صحيا من الخضراوات والفواكه، أما في المجتمعات
التي تعرف «الرجلة» فالحاجة أكبر للالتفات إليها وعدم إهمال إضافتها إلى أطباق الطعام.
ووفق ما هو متوافر اليوم من دراسات علمية حول المكونات الغذائية لأوراقها العريضة،
يمكن استخلاص أربعة عناصر من الدواعي الصحية للحرص على تناول «الرجلة»
وإضافتها إلى مختلف أنواع الأطباق المطبوخة أو إلى السلطات، وهي: المحتوى الغني
بدهون «أوميغاـ3».
والمحتوى الغني بالفيتامينات المهمة، خصوصا مضادات الأكسدة مثل فيتامين إي (E)
وفيتامين إيه (A) وفيتامين سي (C) ومادة غلوتاثايون (glutathione).
والمحتوى الغني بالمركبات الكيميائية المفيدة للصحة، مثل ميلاتونين (melatonin)
وضمن عدد 29 سبتمبر (أيلول) عام 2000 لمجلة «الكروماتوغرافيا»
(Journal of Chromatography)، نشر الباحثون من مركز الأغذية الذكية
بجامعة ولونغونغ بأستراليا نتائج فحصهم مكونات أوراق «الرجلة»،
ومعلوم أن الكروماتوغرافيا هي التي تسمى بالعربية عملية «الاستشراب» أو «التفريق
اللوني»، وهي إحدى الطرق الكيمائية
ـ الفيزيائية لفصل وتنقية المواد الكيميائية المختلطة، وبالتالي معرفة كميتها بدرجة دقيقة.
وركّز الباحثون على معرفة نوعية وكمية الأحماض الدهنية ومركبات «بيتا ـ كاروتين»
في تلك الأوراق، ووفق ما نشروه في تلك المجلة العلمية الأميركية، فإن كل 100 غرام
من الأوراق الطازجة لـ«الرجلة» الأسترالية تحتوي على نحو 250 مليغراما من
الأحماض الدهنية، منها 60% من نوع دهون حمض لينولينك، وإن بذور «الرجلة»
تحتوي على 10 أضعاف تلك الكمية.
وفي عام 2004، وضمن مجلة الأبحاث البيولوجية، نشر الدكتور سيموبولوس إحدى
أهم الدراسات التي تناولت أوراق «الرجلة»، وكان عنوان الدراسة «دهون أوميغاـ3
ومضادات الأكسدة في النباتات البرية المأكولة».وتبين أن أوراق «الرجلة» البرية
هي أغنى المصادر النباتية الورقية من جهة المحتوى
بدهون «أوميغاـ3»، خصوصا نوعية دهون حمض لينولينك، وعرض الباحث
باستفاضة أهمية حصول الإنسان على نوعية دهون حمض لينولينك من المصادر
النباتية، مقارنة بالأسماك، وذلك لضمان تزويد الجسم أيضا بالكميات اللازمة من
فيتامين إي (E) والفيتامينات الأخرى المضادة للأكسدة وغيرها من العناصر الغذائية.
الحاجة إلى «أوميغا ـ 3»
ويقول الباحثون من جامعة هارفارد إن «أوميغاـ3» أحد الأحماض الدهنية الأساسية
(essential fatty acids) من فصيلة الدهون الكثيرة غير المشبعة
(polyunsaturated)، أي أن وجودها في الجسم حيوي وأساسي لنموه وعمله.
ولكن الجسم لا يستطيع إنتاجها، بل يجب الحصول عليها من الغذاء، وفي مرحلة
الثلاثينات من القرن الماضي كانت الأوساط الطبية تطلق اسم فيتامين إف (F) على
دهون «أوميغاـ3»، ولكن استقر اليوم تصنيفها ضمن الدهون. و«أوميغاـ3» موجودة في
الأسماك والطحالب البحرية، وفي بعض المنتجات النباتية كـ«الرجلة» وزيوت المكسرات.
ويضيف باحثو هارفارد القول إن «أوميغاـ3» تلعب دورا حاسما في وظائف الدماغ
ونموه الطبيعي وتطور قدراته، وذكروا الناس بأن رابطة القلب الأميركية تنصح
بضرورة تناول وجبتين من الأسماك أسبوعيا، خصوصا الأسماك الدسمة كالسلمون
والسردين والماكاريل وغيرها، وأن ثمة كمية كبيرة من الأبحاث والدراسات التي أكدت
في نتائجها أن دهون «أوميغاـ3» تخفف من شدة الالتهابات بالجسم وتمنع عوامل
خطورة الإصابة بالأمراض المزمنة كأمراض القلب والسرطان وروماتيزم المفاصل،
وأن زيادة وجودها في أنسجة الدماغ مؤشر مهم على دورها في القدرات الذهنية
كالذاكرة وإتقان أداء المهارات الذهنية والبدنية.
وحذروا من أن نقص توفيرها للجنين أو الطفل بعد ولادته قد يؤدي إلى مخاطر بطء
نموقدرة الإبصار ومشكلات عصبية أخرى.
وتشمل أعراض نقص «أوميغاـ3» بالجسم سرعة التعب والإجهاد، وضعف الذاكرة،
وجفاف الجلد، واضطرابات القلب، وتقلّب المزاج، والاكتئاب، وضعف الدورة الدموية
بالجسم، ولعل من أهم عباراتهم المرتبطة بالموضوع المطروح قولهم صراحة إن
«الرجلة» يمكنها خفض الكولسترول لأنها غنية بـ«أوميغاـ3» وبفيتامين سي (C).
فيتامينات مضادة للأكسدة
وعند الحديث عما فيه مزيد لصحة القلب وتخفيف لعوامل خطورة الإصابة بها وتقليل
فرص نشوء الأمراض السرطانية وإبطاء عمليات شيخوخة الجسم وغيرها من
الأمراض والاضطرابات، يأتي ذكر الأنواع الطبيعية من المواد المضادة للأكسدة، أي
التي تتوافر في الأغذية والمشروبات الطبيعية وليس الحبوب الدوائية المصنعة.
والاعتراضات التي تقال من آن لآخر على صحة نظرية الدور الصحي للمواد المضادة
للأكسدة، منشؤها هو عدم حدوث تلك التأثيرات الصحية الإيجابية عند تناول كميات
مصنعة من الفيتامينات والمواد الكيميائية الأخرى.
أما تناولها من المصادر الطبيعية، التي توجد فيها ضمن مزيج من المواد الكيميائية
الغذائية الأخرى، فهو ثابت وفق نتائج عدد كبير من الدراسات الطبية التي تتبّعت تأثير
مكونات الغذاء على صحة الناس وعلى مدى إصابتهم بالأمراض المزمنة المهمة.
وبعد تأكيده لهذه الأمور، ذكر الدكتور سيموبولوس في دراسته المذكورة آنفا لعام
2004، أن التأثيرات الصحية الإيجابية للإكثار من تناول الفواكه والخضراوات على
خفض مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والأمراض السرطانية، ليس
مردّها فقط احتواءها على الفيتامينات المضادة للأكسدة مثل فيتامين سي (C) وفيتامين
إي (E) وفيتامين إيه (A)، بل أيضا على أنواع أخرى من المواد الكيميائية النباتية ذات
القدرات المضادة للأكسدة وغير المضادة للأكسدة، التي تتوافر في تلك الأطعمة الطازجة.
وفي دراسته لعام 1992 المتقدمة الذكر، وجد أن أوراق
«الرجلة» تحتوي على 12 مليغراما من مركبات «ألفا ـ توكوفيرول»، أو فيتامين إي، و27 مليغراما من حمض الأسكوربيك، أو فيتامين سي، ومليغرامين من مركبات «بيتا ـ كاروتين»، أو فيتامين
إيه، و15 مليغراما من مركبات غلوتاثايون.
أما في دراسته لعام 2004 فقد قام فيها بمقارنة أوراق «الرجلة» مع 25 نوعا من
الخضراوات الورقية المأكولة من قبل البشر، وركز فيها على مدى احتوائها على
فيتامينات سي (C) وإي (E) وإيه (A) ومواد غلوتاثايون وغيرها.
وفي النتائج وجد الباحث أن كمية فيتامين إي (E) في كل 100 غرام من أوراق
«الرجلة» المجففة (dry weight) تصل إلى عشرة أضعاف ما في كمية مماثلة من
غالبية أنواع الخضراوات الورقية، وكذلك كان فيتامين سي (C) أعلى، أما فيتامين إيه
(A) فكان في السبانخ أعلى.
مواد كيميائية مفيدة
ونتيجة للكثير من الدراسات الإكلينيكية، هناك حديث علمي متنامٍ حول مواد غلوتاثايون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق